- أن تعيش في المنطقة، مع جيرانها العرب، في أمن واطمئنان. هذا منطق أقول له نعم .
- أن تعيش إسرائيل في حدودها آمنة من أي عدوان. هذا منطق أقول له نعم .
- أن تحصل إسرائيل على كل أنواع الضمانات ، التي تؤمِّن لها هاتَيْن الحقيقتَيْن. هذا مطلب أقول له نعم .
- بل إننا نعلن أننا نقبَل كل الضمانات الدولية، التي تتصورونها، وممّن تَرضَونه أنتم.
- نعلن أننا نقبَل كل الضمانات ، التي تريدونها من القوَّتين العُظمَيين، أو من إحداهما، أو من الخمسة الكبار، أو من بعضهم.
- وأعود فأعلن، بكل الوضوح، أننا قابلون بأي ضمانات تَرتضونها، لأننا في المقابل، سنأخذ نفس الضمانات .
خلاصة القول، إذاً، عندما نسأل: ما هو السلام بالنسبة إلى إسرائيل؟ يكون الرد هو أن تعيش إسرائيل في حدودها مع جيرانها العرب في أمن وأمان، وفي إطار كل ما ترتضيه من ضمانات، يحصل عليها الطرف الآخر.
ولكن كيف يتحقق هذا؟ كيف يمكن أن نصِل إلى هذه النتيجة، لكي نصِل بها إلى السلام الدائم، العادل؟
هناك حقائق لا بد من مواجهتها، بكل شجاعة ووضوح.
- هناك أرض عربية احتلتها، ولا تزال تحتلها، إسرائيل بالقوة المسلحة، ونحن نصرّ على تحقيق الانسحاب الكامل منها، بما فيها القدس العربية. القدس التي حضرت إليها باعتبارها مدينة السلام ، والتي كانت، وسوف تظل على الدوام، التجسيد الحيّ للتعايش بين المؤمنين بالديانات الثلاث.
- وليس من المقبول أن يفكر أحد في الوضع الخاص لمدينة القدس ، في إطار الضم أو التوسع. وإنّما يجب أن تكون مدينة حرة، مفتوحة لجميع المؤمنين.
- وأهم من كل هذا، فإن تلك المدينة، يجب ألاّ تُفصل عن هؤلاء الذين اختاروها مقرّاً ومقاماً لعدة قرون.
- وبدلاً من إيقاظ أحقاد الحروب الصليبية، فإننا يجب أن نحيِي روح عمر بن الخطاب وصلاح الدين، أي روح التسامح واحترام الحقوق.
- إن دُور العبادة، الإسلامية والمسيحية، ليست مجرد أماكن لأداء الفرائض والشعائر، بل إنها تقوم شاهد صدقٍ على وجودنا، الذي لم ينقطع في هذا المكان، سياسياً وروحياً وفكرياً.
- وهنا، فإنه يجب ألاّ يخطئ أحد تقدير الأهمية والإجلال اللذين نكنّهما للقدس، نحن معشر المسيحيين والمسلمين.
ودعوني أَقُلْ لكم، بلا أدنى تردُّد، إنني لم أجىء إليكم تحت هذه القبة، لكي أتقدم برجاء أن تُجلوا قواتكم من الأرض المحتلة. إن الانسحاب الكامل من الأرض المحتلة بعد 1967، أمر بديهي، لا نقبل فيه الجدل، ولا رجاء فيه لأحد أو من أحد.
ولا معنى لأي حديث عن السلام الدائم، العادل، ولا معنى لأي خطوة لضمان حياتنا معاً في هذه المنطقة من العالم، في أمن وأمان، وأنتم تحتلون أرضاً عربية بالقوة المسلحة. فليس هنالك سلام يستقيم أو يُبنى، مع احتلال أرض الغير.
نعم، هذه بديهية، لا تقبل الجدل والنقاش، إذا خلُصت النوايا وصَدَق النضال، لإقرار السلام الدائم، العادل، لجيلنا ولكل الأجيال من بعدنا.
- أمّا بالنسبة للقضية الفلسطينية، فليس هناك من ينكر أنها جوهر المشكلة كلها، وليس هناك من يقبل، اليوم، في العالم كله، شعارات رُفعت هنا في إسرائيل، تتجاهل وجود شعب فلسطين، بل تتساءل أين هو هذا الشعب؟
- إن قضية شعب فلسطين، وحقوق شعب فلسطين المشروعة، لم تعد، اليوم، موضع تجاهل أو إنكار من أحد. بل لا يحتمل عقل يفكر أن تكون موضع تجاهل أو إنكار.
- إنها واقع استقبله المجتمع الدولي، غرباً وشرقاً، بالتأييد والمساندة والاعتراف، في مواثيق دولية وبيانات رسمية، لن يجدي أحداً أن يصمّ أذنيه عن دويّها المسموع، ليل نهار، أو أن يغمض عينيه عن حقيقتها التاريخية، حتى الولايات المتحدة الأمريكية، حليفكم الأول، التي تحمل قمة الالتزام لحماية وجود إسرائيل وأمنها، والتي قدّمت، وتقدّم إلى إسرائيل كل عون معنوي ومادي وعسكري. أقول حتى الولايات المتحدة اختارت أن تواجِه الحقيقة والواقع، وأن تعترف بأن للشعب الفلسطيني حقوقاً مشروعة، وأن المشكلة الفلسطينية هي قلب الصراع وجوهره، وطالما بقيت معلقة دون حل، فإن النزاع سوف يتزايد ويتصاعد، ليبلغ أبعاداً جديدة. وبكل الصدق، أقول لكم إن السلام لا يمكن أن يتحقق بغير الفلسطينيين، وإنه لخطأ جسيم، لا يعلم مداه أحد، أن نغمض الطرف عن تلك القضية، أو ننحِّيها جانباً.
- ولن أستطرد في سرد أحداث الماضي، منذ صدر وعد بلفور لستين عاماً خلَت، فأنتم على بيّنة من الحقائق جيداً.
- وإذا كنتم قد وجدتم المبرر، القانوني والأخلاقي، لإقامة وطن قومي على أرضٍ، لم تكن كلها ملكاً لكم، فأَولى بكم أن تتفهموا إصرار شعب فلسطين على إقامة دولته من جديد في وطنه.
- وحين يُطالب بعض الغُلاة والمتطرفين أن يتخلّى الفلسطينيون عن هذا الهدف الأسمى، فإن معناه، في الواقع وحقيقة الأمر، مطالبة لهم بالتخلي عن هويتهم، وعن كل أمل لهم في المستقبل.
- إنني أحيِّي أصواتاً إسرائيلية، طالبت بالاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، وصولاً إلى السلام ، وضماناً له. ولذلك، فإنني أقول، أيها السيدات والسادة، إنه لا طائل من وراء عدم الاعتراف بالشعب الفلسطيني وحقوقه في إقامة دولته وفي العودة. لقد مررنا، نحن العرب، بهذه التجربة من قبل، معكم، ومع حقيقة الوجود الإسرائيلي، وانتقل بنا الصراع من حربٍ إلى حربٍ، ومن ضحايا إلى مزيد من الضحايا، حتى وصلنا، اليوم، نحن وأنتم، إلى حافة هاوية رهيبة وكارثة مروّعة، إذا نحن لم نغتنم اليوم معاً فرصة السلام الدائم والعادل.
- عليكم أن تواجِهوا الواقع مواجَهة شجاعة، كما واجهته أنا.
- ولا حلّ لمشكلة أبداً بالهروب منها، أو بالتعالي عليها.
- ولا يمكن أن يستقر سلام بمحاولة فرض أوضاع وهمية، أدار لها العالم كله ظهره، وأعلن نداءه الإجماعي بوجوب احترام الحق والحقيقة.
- ولا داعي للدخول في الحلقة المفرَغة مع الحق الفلسطيني.
- ولا جدوى من خلق العقبات، إلاّ أن تتأخر مسيرة السلام ، أو أن يُقتل السلام .
وكما قلت لكم، فلا سعادة لأحد على حساب شقاء الآخرين. كما أن المواجَهة المباشرة والخط المستقيم، هما أقرب الطرق وأنجحها للوصول إلى الهدف الواضح. والمواجَهة المباشرة للمشكلة الفلسطينية، واللغة الواحدة لعلاجها نحو سلام دائم، عادل، هي في أن تقوم دولته.
ومع كل الضمانات الدولية، التي تطلبونها، فلا يجوز أن يكون هناك خوف من دولة وليدة، تحتاج إلى معونة كل دول العالم لقيامها. وعندما تدق أجراس السلام ، فلن توجد يد لتدق طبول الحرب، وإذا وُجدت، فلن يُسمع لها صوتٌ.
وتصوروا معي اتفاق سلام في جنيف، نزفّه إلى العالم المتعطش إلى السلام . اتفاق سلام يقُوم على:
أولاً:
إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، التي اُحتلت في عام 1967.
ثانياً:
تحقيق الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، وحقّه في تقرير المصير، بما في ذلك حقّه في إقامة دولته.
ثالثاً:
حق كل دول المنطقة في العيش في سلام داخل حدودها الآمنة، والمضمونة عن طريق إجراءات يُتفق عليها، تحقق الأمن المناسب للحدود الدولية، بالإضافة إلى الضمانات الدولية المناسبة.
رابعاً:
تلتزم كل دول المنطقة بإدارة العلاقات فيما بينها، طبقاً لأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وبصفة خاصة عدم الالتجاء إلى القوة، وحل الخلافات بينها بالوسائل السلمية.
خامساً:
إنهاء حالة الحرب القائمة في المنطقة.
أيها السيدات والسّادة
إن السلام ليس توقيعاً على سطور مكتوبة، بل إنه كتابة جديدة للتاريخ. إن السلام ليس مباراة في المناداة به، للدفاع عن أية شهوات أو لِسَـتر أية أطماع، ف السلام ، في جوهره، نضال جبّار ضد كل الأطماع والشهوات. ولعل تجارب التاريخ، القديم والحديث، تعلّمنا جميعاً أن الصواريخ والبوارج والأسلحة النووية، لا يمكن أن تقِيم الأمن، ولكنها على العكس تحطم كل ما يبنيه الأمن.
وعلينا، من أجل شعوبنا، من أجل حضارة صنعها الإنسان، أن نحمي الإنسان في كل مكان، من سلطان قوة السلاح.
علينا أن نُعلي سلطان الإنسانية بكل قوة القِيم والمبادئ، التي تُعلي مكانة الإنسان.
وإذا سمحتم لي أن أتوجه بندائي من هذا المنبر إلى شعب إسرائيل، فإنني أتوجه بالكلمة الصادقة الخالصة، إلى كل رجل وامرأة وطفل في إسرائيل.
- إنني أحمل إليكم من شعب مصر، الذي يُبارك هذه الرسالة المقدسة من أجل السلام ، أحمل إليكم رسالة السلام ، رسالة شعب مصر، الذي لا يعرف التعصب، والذي يعيش أبناؤه، من مسلمين ومسيحيين ويهود، بروح المودّة والحب والتسامح. هذه هي مصر، التي حمّلني شعبها أمانة الرسالة المقدسة، رسالة الأمن والأمان والسلام .
- فيا كل رجل وامرأة وطفل في إسرائيل: شجعوا قيادتكم على نضال السلام ، ولتتجه الجهود إلى بناء صرْح شامخ للسلام، بدلاً من بناء القلاع والمخابئ المحصنة بصواريخ الدمار. قدّموا للعالم صورة الإنسان الجديد في هذه المنطقة من العالم، لكي يكون قدوة لإنسان العصر، إنسان السلام في كل موقع ومكان.
- بشّروا أبناءكم، أن ما مضى هو آخر الحروب ونهاية الآلام، وأن ما هو قادم هو البداية الجديدة، للحياة الجديدة، حياة الحب والخير والحرية والسلام .
- ويا أيتها الزوجة المترملة،
- ويا أيها الابن الذي فقد الأخ والأب،
ـ املأوا الأرض والفضاء بتراتيل السلام . ـ املأوا الصدور والقلوب بآمال السلام . ـ اجعلوا الأنشودة حقيقة تعيش وتثمر. ـ اجعلوا الأمل دستور عمل ونضال. وإرادة الشعوب هي من إرادة الله. أيها السيدات والسّادة قبل أن أصل إلى هذا المكان، توجّهت بكل نبضة في قلبي، وبكل خلجة في ضميري، إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ وأنا أؤدي صلاة العيد في المسجد الأقصى، وأنا أزور كنيسة القيامة، توجهت إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ بالدعاء أن يلهمني القوة، وأن يؤكد يقين إيماني بأن تحقِّق هذه الزيارة أهدافها، التي أرجوها، من أجل حاضر سعيد، ومستقبل أكثر سعادة. لقد اخترت أن أخرج على كل السوابق والتقاليد، التي عرفتها الدول المتحاربة، ورغم أن احتلال الأرض العربية ما زال قائماً، بل كان إعلاني عن استعدادي للحضور إلى إسرائيل مفاجأة كبرى، هزّت كثيراً من المشاعر، وأذهلت كثيراً من العقول، بل شككت في نواياها بعض الآراء، برغم كل ذلك، فإنني استلهمت القرار بكل صفاء الإيمان وطهارته، وبكل التعبير الصادق عن إرادة شعبي ونواياه، واخترت هذا الطريق الصعب، بل إنه في نظر الكثيرين أصعب طريق. اخترت أن أحضر إليكم، بالقلب المفتوح والفكر المفتوح. اخترت أن أعطي هذه الدفعة لكل الجهود العالمية المبذولة من أجل السلام . اخترت أن أقدم لكم، وفي بيتكم، الحقائق المجرّدة عن الأغراض والأهواء. لا لكي أناور، ولا لكي أكسب جولة، ولكن لكي نكسب معاً أخطر الجولات والمعارك في التاريخ المعاصر، معركة السلام العادل والدائم. إنها ليست معركتي فقط، ولا هي معركة القيادات فقط في إسرائيل، ولكنها معركة كل مواطن على أرضنا جميعاً، من حقّه أن يعيش في سلام . إنها التزام الضمير والمسؤولية في قلوب الملايين. وقد تساءل الكثيرون، عندما طرحت هذه المبادرة، عن تصوري لما يمكن إنجازه في هذه الزيارة، وتوقعاتي منها. وكما أجبت السائلين، فإنني أعلن أمامكم أنني لم أفكر في القيام بهذه المبادرة من منطلق ما يمكن تحقيقه أثناء الزيارة، وإنما جئت هنا لكي أبلغ رسالة. ألا هل بلّغت؟ اللهمّ فاشهــد . اللهم إنني أردد مع زكريا قوله: "أحبوا الحقّ والسلام ". وأستلهم آيات الله ـ العزيز الحكيم ـ حين قال:قُلْ آمنَّا باللهِ ومَا أُنزِلَ عَلَيْنَا ومَا أُنْزِلَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وإسْمَاعِيلَ وإسْحَقَ ويَعْقُوبَ والأسْبَاطِ ومَا أُوتِيَ مُوسَى وعِيسَى والنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون . والسلام عليكم. </LI>